"ميرى كريسماس" رغم أنفهم


بقلم فاطمة ناعوت 

«إياكَ أن تقول (ميرى كريسماس)، وإلا فاقَ إثمُك القتلَ». هكذا أكّد شيخٌ ناطقٌ بالإنجليزية! يا رب السموات، هل رسمُ بسمةٍ على وجه إزهاق روح؟! هل الفتاوى وتوزيع الآثام والعقوبات سهلةٌ إلى هذا الحد، يطلقها المرءُ كما يحلو له ويروق لعقله؟! أتعجّبُ من كمّ السواد يترسّب على قلوب البعض، وبدلاً من السعى الدءوب على التطهر منه يباركه المرءُ فى نفسه، بل يعلنه فرحًا طروبًا، مثلما صرّح أحد سلفيينا (مصرىّ للأسف)، قائلا إنه لا حيلة له فى «البُغض» الذى يحمله للنصارى (يقصد المسيحيين)! 

جهلاً يُسميهم «نصارى»، غير مدرك أن المسيحية تختلف كل الاختلاف عن النصرانية التى دان بها نصارى نجران أيام الرسول- صلى الله عليه وسلم- قبل ١٤ قرنًا. لماذا يا مولانا تكرههم؟ فيمَ آذوك؟ هل ناصبوكَ العداءَ أو طردوكَ أو حرقوا لك مسجدًا أو قتلوا لك ابنًا أو أخًا؟ هل أفتوا «علنًا» فى الفضائيات أن مَن لم ينتخبهم آثمٌ كافر؟! أليسوا (أقباط مصر) يتحملون سخافاتنا وهدمنا كنائسهم وقتلنا مُصلّيهم؟ ثم يُصلّون أن يغفر لنا اللهُ خطايا السفهاء منا، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون؟!

أدعوك أن تحضر، مثلى، بعض صلواتهم لتسمع بأُذنيك كيف يتعلمون فى عِظاتهم أن يحبوا كلَّ خلق الله، دون قيد أو شرط. حتى العدو، ولسنا، نحن المسلمين، بأعداء لهم، مهما حاولتم أن تصنعوا حاجزًا بيننا وبينهم. سيظل الحاجزُ فى قلوبكم أنتم وحدكم يعذبكم ويُفقدكم متعة المحبة والسلام التى لو جربتموها لعرفتم كم تخسرون، فى كل لحظة، لم تصْفُ فيها قلوبُكم للبراءة والجمال. عن نفسى أحبهم، مثلما يحبهم كل مسلم سوىّ الروح نقىُّ القلب. وأُعلنُ حبهم بكل فرح، لأن محبتى إياهم تطمئننى أن قلبى خال من أدران الإقصاء والعنصرية والبغضاء التى تُحزن الله. تُطمئنُنى أننى لم أفقد طفولتى بعد. كلنُّا أطفالٌ نتطلّعُ إلى السماء لكى تحبنا السماء.

جدتى الجميلة كانت تجهّز شجرة الكريسماس، كلمّا أوشك عامٌ أن يحمل عصاه ويرحل. تشبكُ لنا فيها الهدايا لكى نفرح بميلاد السيد المسيح، مثلما نحتفل بالمولد النبوىّ بعروسة السكر والحصان. جدتى التى كانت تعزفُ البيانو وتحفظُ القرآن، ولا تترك فرض صلاة وحجّت واعتمرت عديد المرّات. 

لماذا تحاربون الفرح؟ لماذا تحاولون أن تملأوا قلوبنا بالغلاظة التى تملأ أرواحكم؟! لماذا لا تتأملون قوله- تعالى-: «ولو كنتَ فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك». فإن قيلت فى رسول الله، فماذا يُقال فيكم أنتم ولستم إلا بشرًا قساةً لم تتمثلوا جوهر الله الذى يعلّمنا السلام والمحبة والارتقاء بالنفس عن الدنايا والصغارات وتشوهات الروح؟ ألا يعلم «الكارهون» أنفسهم أولئك، أن المسيحيين يحتفلون بأعيادنا ويفرحون لأفراحنا ويحزنون لأحزاننا؟

ألا يعلمون أن أقباط مصر يصومون معنا رمضان احترامًا لديننا ومشاعرنا؟ ألا يعلمون أن راهباتهم يبذلن أرواحهنّ لتعليم أبنائنا وتطبيب مرضانا فى المدارس والمشافى؟ هل وجدت مسيحيًّا يجاهر بشرب فنجان قهوة أمام زملائه فى نهار رمضان؟ لماذا لا نغار منهم ونعمل مثلهم؟ هل الحبُّ صعبٌ إلى هذا الحد؟ هلا جربتموه مرّةً؟ أحبوا خلقَ الله لكى يحبكم اللهُ. 

جرّبوا أن تعودوا أطفالاً أنقياء، وفى كل الأحوال اعلموا أنكم لا تمثلون إلا أنفسكم، ولن تطفئوا شعلة المحبة بيننا وبينهم، تلك التى تشبه الميثاق الذى لا ينفصم. لهذا انهالت ملايين المعايدات من مسلمى مصر لمسيحيى مصر، رغم أنف الكارهين. وخرجت حشود المصلين من مسجد عمر مكرم متجهة نحو قصر الدوبارة لتهنئة أشقائهم. ولهذا أكاد أسمع أطفال مصر يغنون: «الشعب يريد الحبَّ للجميع». وأعاود وأقول لمصر وأقباط مصر- مسيحيين ومسلمين: «ميرى كريسماس».